سورة العنكبوت - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


قوله تعالى: {وَكَذَلِك} أي: كما أنزلنا إليهم الكتب، {أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} يعني: مؤمني أهل الكتاب، عبدَ الله بن سلام وأصحابه، {وَمِنْ هَؤُلاءِ} يعني: أهل مكة، {مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} وهم مؤمنوا أهل مكةُ {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الْكَافِرُونَ}، وذلك أن اليهود عرفوا أن محمدًا نبيٌ، والقرآن حقّ، فجحدوا. قال قتادة: الجحود إنما يكون بعد المعرفة.
{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو} يا محمد، {مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} قبل ما أنزل إليك الكتاب، {وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} ولا تكتبه، أي: لم تكن تقرأ ولا تكتب قبل الوحي، {إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} يعني لو كنت تكتب أو تقرأ الكتب قبل الوحي لشك المبطلون المشركون من أهل مكة، وقالوا: إنه يقرؤه من كتب الأولين وينسخه منها، قاله قتادة. وقال مقاتل: {المبطلون} هم اليهود، ومعناه: إذًا لشكوا فيك واتهموك، وقالوا إن الذي نجد نعته في التوراة أمي لا يقرأ ولا يكتب وليس هذا على ذلك النعت.


{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} قال الحسن: يعني القرآن آيات بينات، {فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} يعني المؤمنين الذين حملوا القرآن. وقال ابن عباس رضي الله عنهما، وقتادة: بل هو- يعني محمدا صلى الله عليه وسلم- ذو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب، لأنهم يجدونه بنعته وصفته في كتبهم، {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ}.
{وَقَالُوا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ} كما أنزل على الأنبياء من قبل، قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر: {آية} على التوحيد، وقرأ الآخرون: {آيات من ربه} لقوله عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ} القادر على إرسالها إذا شاء أرسلها، {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أنذر أهل المعصية بالنار، وليس إنزال الآيات بيدي.
{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ} هذا الجواب لقوله: {لولا أنزل عليه آيات من ربه} قال: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} يعني: أولم يكفهم من الآيات القرآن يتلى عليهم، {إِنَّ فِي ذَلِكَ} في إنزال القرآن، {لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: تذكيرا وعظة لمن آمن وعمل به.
{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا} أني رسوله وهذا القرآن كتابه، {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ} قال ابن عباس: بغير الله. وقال مقاتل: بعبادة الشيطان، {وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.


{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} نزلت في النضر بن الحارث حين قال: فأمطر علينا حجارة من السماء {وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى} قال ابن عباس: ما وعدتك أني لا أعذب قومك ولا أستأصلهم وأؤخر عذابهم إلى يوم القيامة كما قال: {بل الساعة موعدهم} [القمر- 46]، وقال الضحاك: مدة أعمارهم، لأنهم إذا ماتوا صاروا إلى العذاب، وقيل: يوم بدر، {لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ} يعني: العذاب وقيل الأجل، {بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} بإتيانه.
{يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} أعاده تأكيدا، {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} جامعة لهم لا يبقى أحد منهم إلا بدخلها.
{يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} يعني: إذا غشيهم العذاب أحاطت بهم جهنم، كما قال: {لهم من جنهم مهاد ومن فوقهم غواش} [الأعراف- 41]، {وَيَقُولُ ذُوقُوا} قرأ نافع، وأهل الكوفة: {ويقول} بالياء، أي: ويقول لهم الموكل بعذابهم: ذوقوا، وقرأ الآخرون بالنون؛ لأنه لما كان بأمره نسب إليه، {مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: جزاء ما كنتم تعملون.
{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} قال مقاتل والكلبي: نزلت في ضعفاء مسلمي مكة، يقول: إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان فاخرجوا منها إلى أرض المدينة، إن أرضي- يعني المدينة- واسعة آمنة. قال مجاهد: إن أرضي المدينة واسعة فهاجروا وجاهدوا فيها. وقال سعيد بن جبير: إذا عمل في أرض بالمعاصي فاخرجوا منها فإن أرضي واسعة. وقال عطاء: إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا فإن أرضي واسعة. وكذلك يجب على كل من كان في بلد يعمل فيها بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك أن يهاجر إلى حيث يتهيأ له العبادة. وقيل: نزلت في قوم تخلفوا عن الهجرة بمكة، وقالوا: نخشى، إن هاجرنا، من الجوع وضيق المعيشة، فأنزل الله هذه الآية ولم يعذرهم بترك الخروج. وقال مطرف بن عبد الله: {أرضي واسعة} أي: رزقي لكم واسع فاخرجوا.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8